الأربعاء، 18 أغسطس 2010

نزيف ما قبل الولاده - بقلم الدكتور فلاح الشمري - بغداد

نزيف

ماقبل الولادة

" لقد خلقنا الإنسان في كبد "

قرآن كريم

بقلم: الدكتور فلاح الشمري – بغداد

ان تجربة الولاده لهي من اهم واعنف التجارب التي تمر بحياة المرأة , هذه التجربه بكل آلامها وآمالها وتوقعاتها بل وهواجسها ومخاوفها هي ضريبة العناء للمرأة في هذه الحياة , و(( جواز المرور )) لعالم الامومه الرائع الذي ينسيها كل ما عانته وقاسته من آلام الحمل والولاده .

التعريف :

نزيف ما قبل الولاده Antepartum haemorrhage هو حاله كثيراً ما تعرض للأطباء في المستشفيات وعياداتهم الخاصه , ومركز رعاية الامومه والطفوله . وتطلق عادة على كل نزيف دموي رحمي يحدث بعد الاسبوع الثامن والعشرين من الحمل أي من الشهر السابع الى الولاده .

وبمعناها العلمي المحدد : تعني أي نزيف دموي يحدث من مكان زرع المشيمه في جدار الرحم , سواء أكانت هذه المشيمه في مكانها الطبيعي او في غير مكانها الطبيعي من جدار الرحم .

صفة الرحم التشريحيه والوظيفيه عند الولاده :

يتعين علينا ان نفهم الصفه التشريحيه للرحم في الاسابيع الاخيره من الحمل , ففي هذه المرحله واستعداداً للولاده يتكون الرحم من جزءين تختلف وظيفة كل جزء منهما عن الآخر عند بدء عملية الولاده , فالجزء العلوي Upper uterine segment تكون وظيفته الانقباض والانكماش بصوره منتظمه متقاربه , لدفع الجنين عبر قناة الولاده الى الخارج , اما الجزء الاسفل lower uterine segment فوظيفته التمدد والانبساط , ليكوّن مع قناة المهبل قناة واحده هي قناة الولاده التي يمر فيها الجنين الى الخارج . وهذا الاختلاف الوظيفي بين جزئي الرحم يكون اوضح ما يكون عند ابتداء الطور الاول للولاده .

اين تزرع المشيمه في الرحم ؟

الوضع الطبيعي للمشيمه Placenta يكون دائماً في الجزء العلوي من الرحم اماماً او خلفاً : ولا تخرج من الرحم الا بعد خروج الجنين نهائياً منه لكي تأتي بعده لا قبله . هذا الترتيب الدقيق المحدد لازم لا تمام عملية الولاده بصوره طبيعيه بأقل كميه ممكنه من النزيف الدموي . اما اذا اختلف هذا الترتيب لسبب او آخر , كأن تزرع المشيمه اسفل الجنين – وليس اعلاه , لتخرج قبله لابعده – فهنا يحدث النزيف الذي نسميه نزيف ما قبل الولاده .

صعوبة تشخيص نزف ماقبل الولاده :

الصعوبه التي يلقاها الطبيب عندما تواجهه بعض حالات النزيف هذه تكمن في صعوبة تشخيص سبب هذا النزيف من اول وهله , وعليه ان يبدأ فوراً في العلاج لاسعاف المريضه النازفه , جنباً الى جنب مع الجهود التي يبذلها ليصل الى السبب , بالاستعانه بالوسائل التشخيصيه التي في متناول يده والتي تحتاج لكثير من الوقت والجهد .

الاسباب التي تؤدي الى نزيف دموي قبل الولاده :

1. المشيمه المعيبه Placenta Praevia .

2. النزيف العرضي Accidental haemorrhage .

3. نزيف من غير مكان المشيمه .

4. الحبل السري المعيب Vasa praevia .

5. اسباب لايمكن تحديدها او معرفتها وهذه قد تصل الى 25% من الحالات , ولكن ما يقصد بتعبير (نزيف ما قبل الولاده) هو ما ينتج عن السبب الاول والثاني فقط , أي من مكان المشيمه كما سبق في التعريف .

السبب الأول :

المشيمه المعيبه Placenta praevia وفي هذه الحاله تتخذ المشيمه وضعاً غير طبيعي بأن يكون مكانها في الجزء السفلي من الرحم بدلاً من العلوي . وهذا الجزء يبدأ في التمدد في الاسابيع الأخيره للحمل بسبب انقباضات الجزء العلوي , وهذا يسبب انفصالاً للمشيمه عن جدار الرحم , حيث انها لا تتمدد كما يتمدد , ونتيجة لهذا الانفصال تتقطع الاوعيه الدمويه التي تصل المشيمه بالدوره الدمويه للأم والتي تغذي الجنين , فيفقد بذلك جزءاً من غذائه الحيوي اللازم لبقائه , وتصبح حياته داخل الرحم مهدده . وهذا هو السبب في خطورة هذا النزيف فضلاً عن تهديده لحياة الأم نفسها اذا زاد وكثر .

درجات المشيمه المعيبه :

اندغام المشيمه المعيب هذا يتخذ اربع درجات هبوطاً في هذا الجزء من الرحم , اخطرها ماغطى العنق الداخلي للرحم كلياً , وهو في تمام تمدده , حيث لاتكون هناك فرصه للجنين لكي يمر الا بعد الانفصال الكامل للمشيمه , وذلك يحرمه تماماً من الدم والاوكسجين فيهلك داخل الرحم .

تشخيص هذه الحاله يعتمد على :

· التاريخ المرضي History : نزيف دموي رحمي متكرر ليس له سبب واضح ولا يصاحبه أي ألم .

· الفحص السريري : مع تجنب الفحص المهبلي بصفه قاطعه . وفيه يلاحظ الطبيب ان البطن لين , خال من الانقباضات والتشنجات , وان اجزاء جسم الجنين محسوسه , ونبض قلبه مسموع , وان مجئ الجنين سواء أكان بالرأس او المقعد غير منحشر في الحوض وعال في الرحم لوجود المشيمه اسفل منه .

· الاشعه السينيه العاديه , وهذه ليست بذات فائده كبيره .

· تصوير المشيمه بالأمواج فوق الصوتيه Ultrasonic Placentography , وهذا الفحص أستنبطه بروفيسور (دوناك) بجامعة جلاسجو باسكتلندا المبني على فكرة اعتمدت عليها البحريه البريطانية في تحديد مكان غواصات الأعداء في اعماق البحار باستخدام الامواج فوق الصوتيه , ومن مميزات هذا الجهاز سلامته التامه بالنسبه للجنين الذي تضر به انواع الاشعاعات الاخرى .

العلاج :

اولاً : العلاج العام :الراحه التامه في السرير .. اخذ العينات الكافيه من الدم لتحديد فصيلة دم المريضه ونسبة هيموجلوبين الدم .

تجهيز كميات كافيه من الدم لنقلها للمريضه في حالة ازدياد النزيف او استمراره لعدة ساعات , وفي هذه الاثناء تجري الأبحاث الخاصة لتحديد مكان المشيمه في الرحم اذا كانت حالة المريضه العامه وميقات الحمل يسمحان بذلك .

اذا كان الحمل مازال مبكراً – حول الشهر الثامن مثلاً – وتوقف النزيف بعد وصول المريضه للمستشفى مباشرة , وظل متوقفاً لعدة ايام وتأكد لدى الطبيب المعالج ان الحاله تعتبر من الحالات الطفيفه غير ذات الخطر فيمكن للمريضه – اذا اصرت على ذلك – استئناف الراحه التامه في منزلها مع التزامها بالعوده مباشرة الى المستشفى اذا احست بوادر النزيف . وهذا طبعاً لايخلو من خطورات اذ ربما يداهمها نزيف قوي مفاجئ وهي خارج المستشفى اما التصرف المثالي فهو بقاء المريضه بالمستشفى حتى الأسبوع الثامن والثلاثين , وهو الوقت الذي يكون فيه الجنين قد بلغ طور النضج الذي يمكنه من الحياة خارج الرحم لو اقتضى الامر ذلك .

ثانياً : العلاج الخاص :

أ‌- الفحص تحت مخدر عمومي E.U.A. في الاحوال التاليه :

· بلوغ المريضه النازفه الاسبوع الثامن والثلاثين كما اسلفنا .

· ان تكون المريضه فعلاً في حالة ولادة .

· ان يكون النزيف من الشده بحيث لا يمكن التأخير مهما كان ميقات الحمل ولا مجال لوضع المريضه تحت الملاحظه او الانتظار .

ب‌- تفجير جيب المياه Rupture Membranes وترك الولاده لتتم بصوره طبيعيه , وهذا في الاحوال التاليه :

· ان تكون المريضه في حالة ولاده وعنق الرحم متوسع بدرجه كافيه .

· ان تكون المشيمه المعيبه من الأنواع غير ذات الخطر كالمشيمه الجانبيه بالدرجه الاولى او الثانيه .

ج‌- العمليه القيصرية Caesarian section في الاحوال الآتيه :

· نزيف حاد مستمر يهدد حياة المريضه .

· ان يكون عنق الرحم مغلقاً او لم تبدأ عملية الولاده بعد .

· ان يكون نبض قلب الجنين مسموعاً بصوره واضحه أي مازال حياً .

· ان يكون الجنين خالياً من العيوب الخلقيه .

· ان تكون المشيمه من الأنواع الخطره كالدرجه الثالثه والرابعه .

السبب الثاني لنزف ماقبل الولادة :

النزف العرضي او الانفصام المشيمي Accidental haemorrhage , Abruptia Placenta

ماهو النزيف العرضي ؟

في هذه الحاله يكون النزيف الرحمي من مشيمه زرعت في وضعها السوي , ولكن لسبب او لآخر حدث نزيف دموي بين هذه المشيمه وجدار الرحم ظل يتوسع حتى سبب انفصالاً لجزء من المشيمه وبذلك يقل الدم الوارد للجنين معرضاً كيانه الرقيق للخطر , وخطورة هذه الحاله تكمن في كون النزيف الخارجي لايتناسب اطلاقاً مع حجم النزيف الداخلي في الرحم الذي يفوقه بمراحل , فقد يمتلئ الرحم عن آخره بالدم ولايبدو للعيان غير خيط رفيع من الدم الآسن . مما يعطي اطمئناناً كاذباً للمريضه او لذويها او حتى بعض الاطباء .

اسباب النزيف العرضي :

اسباب هذه الحاله غير معروفه بالضبط , ولكن هناك عوامل مساعده وحالات مصاحبه لهذا النزيف في كثير من الحالات مثل :

- الحمل التسممي Pre-eclampsia ويعتبر من اهم العوامل التي تصاحب النزيف الرحمي لأن ارتفاع ضغط الدم في هذه الحاله يسبب انقباضاً للأوعيه الدمويه التي تغذي المشيمه مضراً بذلك بالشعيرات الدمويه الدقيقه لنقص كمية الاوكسجين الوارده لها فتموت وتنفجر امام تيار الدم القوي , وبذلك يبدأ النزيف

- نقص حامض الفوليك Folic acid deficiency وهو احد العوامل الهامه في تكوين الكريات الحمراء في الدم , هذا النقص اكتشف في بعض الحالات النازفه .

- وفي قليل من الحالات قد يكون سبب النزيف هو محاولة عدل الجنين اذا كان المجئ بالمقعد (External cephalic version) .

- او ان يكون السبب ضربه مباشره للبطن .

- احياناً قد يبدأ النزيف بعد صدمه نفسيه او عاطفيه هائله والسبب غير معروف .

- وهناك ايضاً العديد من العوامل المساعده كتكرار الولادات وخاصة بعد الولاده الخامسه . ونقص فيتامين C والعيوب الخلقيه الرئيسيه في الجنين والاستسقاء الآمنيوسي اذا انفجر مره واحده وبسرعه والحبل السري القصير .

المضاعفات :

من مضاعفات هذه الحاله فقدان الدم لخاصية التجلط او التخثر Hypofibrinogenoemia وضمور الغده الكظريه مما يسبب مرض شيهان Sheehan,s Syndrome .

تشخيص الحالة :

الاعراض السريريه الواضحه , كوجود الحمل التسممي بالاضافه الى تيبس البطن وتشنج عضلات الرحم , وشعور المريضه بألم شديد في البطن , مع اعراض الصدمه Shock , والنزيف الداخلي وعادة لا يسمع نبض قلب الجنين كما ان اجزاءه لايمكن جسها من الخارج .

اما النزيف المهبلي الخارجي فكميته ضئيله وقد تسبب اطمئناناً كاذباً لدى المريضه او ذويها .

العلاج :

العلاج العام : الراحه التامه في السرير – المسكنات – كالمورفين والبثيدين Pethidine , نقل الدم بصوره مستعجله وبكميه كافيه لتعويض المريضه ماقد فقدته من دم في النزيف الرحمي الداخلي .

الفحص تحت مخدر عام عندما تتحسن حالة المريضه لاختيار الطريقه المناسبه لاتمام عملية الولاده :

· فأن كان عنق الرحم متوسعاً بدرجه كافيه وكانت عملية الولاده قد بدأت فعلاً ففي هذه الحاله يكتفي الطبيب المعالج بتفجير جيب المياه ومساعدة المريضه بواسطة (الطلق الصناعي) باستعمال عقار بيتوسين Pitocin الذي ينشط انقباضات الرحم ويزيد من قوتها وكفاءتها لاتمام عملية الولاده بنجاح .

· اما اذا كان عنق الرحم مغلقاً والولاده لم تبدأ بعد والجنين مازال حياً ونبض قلبه مسموعاً بوضوح فليس هناك احسن او اجدى من العمليه القيصرية لانقاذ الأم والطفل معاً .

الخاتمة :

من كل ما سبق نلاحظ ان حجر الزاويه في علاج حالات نزيف ما قبل الولاده هو وجود كميات كافيه من الدم والمحاليل لتعويض المريضه ما فقدته من دم وسوائل اثناء النزيف الذي يكون في اغلب الاحيان كثيراً وغزيراً . وان مثل هذه الحالات لاتعالج في المنازل او في العيادات الخاصه , بل يجب ان تنقل المريضه فوراً الى مستشفى متخصص في امراض النساء والولاده ومجهز ومستعد لاستقبال هذه الحالات .

الدكتور / فلاح الشمري – بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق