الأربعاء، 18 أغسطس 2010

عجز الكليتين - بقلم الدكتور فلاح الشمري - بغداد

إِخفاقُ الكُليَتَين

في وظيفتهما..أو

التَّسَمُّم بالبَولِينَا

بقلم : الدكتور فلاح الشمري – بغداد

الكليتان اهم اجزاء الجهاز الافرازي البولي وهما من الاعضاء الحيويه كالقلب والرئتين ولديهما احتياطي ضخم بحيث يستطيع الانسان ان يعيش بنصف كليه فقط حياة طبيعيه كما ان لديهما القدره على مقاومة الامراض . ولكن اذا تمكن المرض منهما فان النتيجه تكون خطيره وتنتهي بالتسمم البوليني . ويطلق اسم – تسمم البولينا Uraemia على الحالات المرضيه التي تنتج عن الفشل الوظيفي للكليتين , والاصح ان تسمى هذه الحالات بفشل الكلى أو اخفاق الكلى .

وبالرغم من ان مادة البولينا Urea ليست ماده سامه في ذاتها الا ان وجودها في الدم بنسبة تزيد على 40 ملغم في المائه يدل على ان هناك عله ومرضاً , اما في الكليتين معاً , او في احداهما , او خارجهما وان هذه العله اثرت عليهما تأثيراً مرضياً غير مباشر , ادى الى تعطيل وظيفي فيهما . وقد يكون هذا القصور الوظيفي قصوراً جزئياً او قصوراً كلياً . ان ارتفاع نسبة مادة البولينا في الدم تشير بصوره قاطعه الى حدوث تغيرات كيمياويه متعدده في الدوره الدمويه التي تؤثر بدورها تأثيراً ضاراً على معظم اجهزة الجسم المختلفه بحيث يفهم الطبيب اعراضها وعلاماتها . وهي بذلك تدل على ان الجهاز الافرازي للكليتين قد اصابه خلل يتحتم على الطبيب معالجته , خوفاً من تأصل المرض فيهما , او امتداده ليشمل اجهزة حيويه اخرى , مثل الاوعيه الدمويه والقلب والجهاز العصبي بشقيه الطرفي والمركزي .

مما تقدم ذكره نرى ان ظاهرة ارتفاع معدل البولينا في الدم هي في الحقيقه تعبير اكيد لمرض خطير يصيب الجهاز البولي في الانسان .

وانطلاقاً من هذا المفهوم , ولكي يتمكن القارئ من متابعة البحث سوف نطلق لفظ البولينيه حينما نقصد الاخفاق الوظيفي للكليتين .

الصفة التشريحيه واهم الوظائف الافرازيه للكليتين :

وقبل ان نستطرد في وصف تلك الحاله المرضيه – تسمم البولينا – يجدر بنا ان نذكر باختصار الصفه التشريحيه واهم الوظائف الحيويه التي يقوم بها الجهاز البولي في الانسان , ونلخصها فيمايلي :

1. الصفة التشريحيه للكليتين : يوجد في الانسان السوي كليتان , كل منهما في حجم قبضة اليد , تشبه في الشكل حبة الفاصوليا , وتزن في متوسطها حوالي 150 غم , وهما مثبتتان في الجدار البطني الخلفي على جانبي الفقرات القطنيه من العمود الفقري . وتحتوي الكليه الواحده على حوالي مليون وحده افرازيه (نفرون Nephron) كل منها

تتكون من كرة ضئيله من الشعيرات الدمويه تنتهي بقناة طويله متعرجه ومتعددة الوظائف بحيث يختص كل جزء من هذه القناة الدقيقه بافراز او امتصاص ماده او اكثر من الاملاح والاحماض والسكريات والزلاليات , ثم يتجمع عدد من هذه القنوات , لتكون قناة اكبر تحمل البول بمكوناته المعروفه من ماء وبولينا واملاح واحماض ومعادن بنسب ثابته , طبقاً لحاجة الانسان , رغم ما يعتريه من تغيرات في محيط بيئته . ثم يتجه البول في الحالبين الى المثانه الى ان تمتلئ وحينئذ يشعر الانسان بحاجته الى التخلص من مخزون بوله . ويتفاوت حجم البول بين لتر ولترين يومياً . ومقدار الدم الذي يصل الى الكليه في الدقيقه الواحده يبلغ 1300 سم3 بما يعادل ربع الدفع القلبي من الدم كما يبلغ ضغط الدم داخل الشعيرات الدمويه في الكليه الى 70 ملمتر . تلك الكميه الكبيره من الدم مع هذا الارتفاع في الضغط داخل الوحدات الافرازيه – يمكنها من تقطير الدم وتنقيته من الشوائب والفضلات الضاره بصحة الانسان , ويتخلص منها بافرازها في البول .

2. وظائف الكليتين : ان وظائف الجهاز البولي معقده للغايه , ولا يزال الكثير منها غامضاً ومغلقاً على الافهام , ولكن باختصار شديد نذكر اصولاً عامه من المؤكد ان الجهاز البولي يقوم بادائها .

· تنظيم كمية الماء والاملاح في الجسم بحيث يحتفظ الجسم بما يحتاجه من سوائل ومعادن ويتخلص من الزيادات الفائضه عن حاجته وهو بذلك يستطيع مواجهة تقلبات البيئه في حالات الصحه والمرض .

· التوازن بين العناصر القلويه والاحماض في الدم بحيث يظل تفاعل الدم متعادلاً مع ميله بعض الشئ الى الجانب القلوي PH 7.4 وذلك التفاعل حيوي وضروري لاستمرار الحياة , اذ تعمل اجهزة الجسم في ظل هذا المستوى من القلويه .

· الاحتفاظ بالمواد الغذائيه الحيويه للجسم . مثل السكريات والزلاليات والمعادن والاحماض , وهي التي تمد الانسان بالطاقه ومقومات الصحه الجيده .

· افراز المواد السامه والعقاقير والفضلات الضاره بالجسم وتنقية الدم من جميع الشوائب .

· وظائف هرمونيه : حيث تسهم الكليتان في افراز هرمونات خاصة تحافظ على ثبات معدل ضغط الدم لدى الانسان وتمنع ارتفاعه .

انواع تسمم البولينا :

ونعود مرة اخرى الى دراسة موضوعنا – تسمم البولينا – فنجده ينقسم الى ثلاثة انواع :

1. البولينيه الكلويه Renal Uraemia وهي تلك الانواع الناتجه عن اصابة الكليتين بأضرار نسيجيه مثل التهابات الكلى الحاده والمزمنه .

2. البولينيه قبل الكليتين Prerenal Uraemia وهي تلك التي تنتج عن امراض بعيده عن الكليتين , ومثال ذلك حالة قصور وهبوط الدوره الدمويه .

3. البولينيه بعد الكليتين Postrenal Uraemia وهو التسمم الذي ينتج عن انسداد في مجرى المسالك البوليه بعد الكليتين , وهو يعوق جريان البول وتصريفه الى خارج الجسم بصوره طبيعيه .

وفي جميع الانواع السابقة الذكر يحدث التسمم في احدى صورتين :-

الاولى : التسمم البولي الحاد Acute Uraemia .

الثانيه : التسمم البولي المزمن Chronic Uraemia .

وسنتناول بشيء من التفصيل امراض كل نوع على حده .

1) تسمم البولينا الكلوي : Renal Uraemia

احياناً ينتج هذا النوع من التسمم بعد اصابة الانسان بالتهاب الكليتين الحاد او المزمن , اذ يظهر في صورة ارتفاع في ضغط الدم , او ظهور الزلال في البول , ويشكو المريض من زياده الادرار البولي , والعطش , والضعف العام , وقلة النشاط , وربما يشكو كذلك من القئ او الاسهال , وهذه الاعراض تشبه تلك التي تحدث في مرض البول السكري , وفي حالات اخرى ربما يصاب المريض بصداع حاد , وضعف في قوة الابصار , وفقر الدم , مما يؤدي به الى ضيق في التنفس , وارتجاف العضلات , ونوبات اغماء . ومع امتداد الزمن تتدهور القوه الوظيفيه للكليتين , وتتراكم الفضلات السامه في الجسم , وترتفع نسبة مادة البولينا Urea في الدم ويتلون الجلد باللون الاصفر البني . وقد يؤثر ارتفاع ضغط الدم على القلب والدوره الدمويه وينتهي الامر بهبوط في القلب . ونادراً ما يتورم الجسم ولكنه في معظم الاحيان يفقد كميه كبيره من السوائل والاملاح . وفي الحالات الخطيره الميئوس منها يحدث النزيف في أي موضع في الجسم ونلاحظه تحت الجلد او رعاف من الانف او نزيف من اللثه او من المعده او الامعاء .

وهناك علامات مرضيه , واخرى شعاعيه – بجانب الفحوصات المختبريه – يستعين بها الطبيب لمعرفة المرحله المرضيه وخطورتها ومن ثم اختيار الاسلوب المناسب للعلاج .

وهناك قائمه من امراض الكليتين قد تؤدي في النهايه الى التسمم البوليني ونذكر منها :-

ارتفاع ضغط الدم غير معروف السبب , التهاب الكليتين المتقيح , تضخم الكليتين المائي , تكيس الكليتين الخلقي وضمورهما ثم امراض شرايين الكليه , وداء البول السكري .

علاج التسمم الكلوي : لابد وان يعالج المريض المصاب بتسمم البولينا في المستشفى تحت اشراف طبي وتمريضي دقيقين , حيث تحدد نوعية وكمية الطعام والسوائل والاملاح . ويعالج من فقر الدم , ومن الاصابه بالجراثيم , كما تعالج مضاعفات التسمم اينما وجدت , سواء كان ذلك في الجهاز الدوري او القلب او الجهاز العصبي المركزي او المسالك التنفسيه والرئتين .

طرق علاج قصور الكليتين :

هناك طريقتين في العلاج هما :

1. Haemodialysis طريقة تنقية الدم من الشوائب والمواد السامه وتعطي نتائج محدودة النجاح ولكنها على درب التحسين والتطور وتتعلق الانظار وتبنى الآمال على هذا النوع من العلاج في المستقبل .

2. زرع الكليه Renal Transplantation : ان ازالة الكليه المصابه من المريض او الكليتين معاً واستبدالهما بزرع كليه سليمه من متطوع او من انسان فارق الحياة حديثاً . افضل كليه تؤخذ من سليم الى مريض هي كلية الاخ التوأم لاخيه المريض , اذ اثبتت الدراسات ان المريض بعد زرع الكليه فيه يتمتع بحياة سويه لعدة سنين وهذا لايعني ان زرع الكليه من متطوع او من جثه لا فائده منه ولكنه يعني في هذه الحاله ان هناك بعض الصعوبات والعقبات التي لايفتأ العلماء يعملون في دأب لتذليلها , او السيطره عليها .

2) التسمم البوليني القبل الكلوي Prerenal Uraemia :

من اهم اسباب هذا النوع من التسمم ان يفقد الجسم جزءاً كبيراً من سوائله , ويترتب على ذلك هبوط في الدوره الدمويه , وانخفاض في ضغط الدم . والسبب في ذلك ان الكليه لا تؤدي وظيفتها بصوره طبيعيه (حينما يأتيها 25% من حجم الدم مدفوعاً من القلب تحت ضغط عال لا يقل عن 70 مم من الزئبق) . فاذا ما نقصت كمية الدم او انخفض ضغطه تأثرت القوه الافرازيه والوظيفيه للكليتين , بحيث ينقص حجم البول , او ينعدم تماماً , ويتبع ذلك الحاله المرضيه للتسمم المذكور . ويحدث هذا في الاحوال التاليه:-

أ‌- النزيف الدموي اياً كان موضعه وبكميه كبيره في وقت قصير نسبياً .

ب‌- الحروق الشديده والكسور حيث يفقد المحروق كميه كبيره من البلازما (السائل الدموي اللاخلوي ) داخل الانسجه او خلال الحروق .

ت‌- فقدان جزء كبير من الماء والاملاح في حالات القيء والاسهال وحالات داء البول السكري والعرق الشديد كما يحدث في حالات ضربة الشمس في المناطق الصحراويه الحاره .

ث‌- حالات نادره كما نراها عقب بعض العمليات الجراحيه والتخدير العام او التسمم الجرثومي او هبوط القلب .

وتعالج هذه الحالات بمنع اسباب حدوثها وتعويض الجسم ما فقده من سوائل واملاح بنقل الدم او باعطاء محاليل السكر والملح وهذا النوع سريع الاستجابه للعلاج ونسبة الشفاء فيه عاليه ولا يترك آثاراً مرضيه على الجهاز البولي .

3) التسمم البوليني البعد الكلوي Postrenal Uraemia :

من الحالات النادرة التي يحدث فيها هذا النوع من التسمم تلك التي يكون انسداد المجاري البوليه من الجهتين كما نلاحظه في حالات تضخم غدة البروستات لدى الرجال في السن المتقدمه من العمر او عندما ينسد الحالبان نتيجة حصوات في الجهاز البولي او انسداد مجرى البول بواسطة جلطه دمويه او صديد او اورام . كما ان ضيق الحالبين من اثر تليف مرضي بهما او من أي سبب آخر يؤدي كذلك في النهايه الى هبوط الكليتين . ان النتيجه الطبيعيه للأنسداد المزمن هو تمدد في الحالبين وركود في البول مما يمهد الطريق لتلوث المجاري البوليه ويعقبه التهاب الكليتين المتقيح وتضخمهما وبالتالي الفشل الوظيفي لهما واخيراً التسمم البوليني ومضاعفاته .

وعلاج هذه الحاله يكون بازالة الانسداد حيثما وجد والتخلص من آثاره وخاصة في الاطوار الاولى للمرض قبل ان تتهتك الانسجه الكلويه وتفقد قوتها الافرازيه .

الوقايه من تسمم البولينا : ان الطب الحديث بمفهومه العصري يرتكز على الوقايه وحماية الانسان من المرض وتحصينه ضد الآفات قبل حدوثها . ومن ثم فان مراعاة القواعد الصحيه العامه هي الضمان الاكيد ضد الامراض بصفه عامه وهذا المرض بصفه خاصة . فاذا ما شعر الانسان باضطرابات بوليه كأن يتغير لون البول الى احمر او يتعكر لونه او يختلط البول بدم او صديد او يقل حجمه او يُكثر المريض من التردد على دورة المياه للتبول ليلاً ونهاراً فيجب عليه ان يراجع الطبيب المختص لاجراء الفحص والتحاليل المناسبه للقضاء على المرض عند بدايته . كما تجب الاستشاره الطبيه المنتظمه في حالة ارتفاع ضغط الدم او في حالة اصابته بمرض مزمن كداء البول السكري او البلهارسيا البوليه او أي مرض يتعلق بالكليتين او بالجهاز البولي .

كما ان كبار السن من الرجال يجب فحصهم لاستبعاد تضخم غدة البروستات لضمان جريان البول دون احتباس او دون ركوده في المثانه لمده طويله مما يمهد الطريق للالتهابات الجرثوميه . وبالنسبه للاطفال فان التهاب اللوزتين وتقيحهما من المقدمات المرضيه للالتهاب الكلوي . واود بان اشدد على مستوى النظافه والطهاره وغسل اعضاء الاخراج غسلاً جيداً لكي يمنع تلوث المجاري البوليه وخاصة لدى النساء وعلى الاخص الحوامل منهن . اما بالنسبه الى سكان المناطق الحاره فانه من المستحسن ان يتناول الانسان كميات كبيره من الماء والاملاح في فصل الصيف ليعوض ما يفقده من العرق الغزير الذي تسببه حرارة الطقس .

ان الانسان الذي يتبع التعليمات الصحيه الآنفة الذكر ويتخير طعامه وشرابه ويصون نفسه من العدوى والجراثيم ويبادر الى استشارة الطبيب عند ابتداء مرضه , كما يستمع الى نصحه لهو الانسان الجدير بكل خير , ولانشك مطلقاً في ان هذا المواطن الواعي يكون ابعد عن التردي في هوة المرض كما يكون اصح بدناً وانفع لوطنه وامته .

الدكتور / فلاح الشمري – بغداد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق